BLOG

VENICE INTERNSHIP

National Pavilion UAE - لبنان  في ٣٤ دقيقة   | بقلم حسن الشيخ
  • لبنان في ٣٤ دقيقة | بقلم حسن الشيخ

    هو بلد تختلط فيه الفنون بالدموع، وصوت الحرب مع صوت الموسيقى. إنه بلد جبران.. وفيروز.. وسعيد عقل، وسلسلة طويلة من الفنانين والأدباء والشعراء. بلد صغير بمساحته، كبير بقضاياه وأحزانه، التي تلازمه منذ نحو أربعة عقود. إلا أن الفن يبقى حاضرا فيه رغم أزماته، محاولا أن يجمع ما فرقته السياسة.

    يشارك جناح لبنان الوطني للمرة الثانية في تاريخه في بينالي البندقية ٢٠١٣،  ليقرب صورة هذا الوطن الجميل الواقع بين الجبل والبحر الى جمهور أوسع. حيث يقدم الجناح عملا للفنان أكرم زعتري، بعنوان “رسالة الى طيار رافض”  يعرض فيه فيديو مصور لمدة أربع و ثلاثين دقيقة، تم تصويره بعدسة ١٦ مم. وهو عبارة عن مونتاج منوع من صور ارشيفية ومشاهد فيديو حقيقية وتمثيلية، تم مزجها معا لتقدم العمل الفني بصورته النهائية.

     بداية عندما دخلت الجناح احترت ان كنت سأبقى لنحو نصف ساعة لمشاهدة الفيلم، بينما طبيعة الاعمال في البينالي لا تستغرق مشاهدتها سوى دقائق معدودة، تختلف من عمل لآخر حسب تعقيداته الفنية. في الواقع كنت أحاول أن أتجنب “الدراما” الفنية التي كثير ما نشاهدها في الأعمال العربية خصوصا. لكنني قررت أن أبقى، كنت أريد أن أكتشف محتوى هذا الفيلم الذي -بكى- كما سمعت الكثير من الزائرين عند مشاهدته.

     الفيلم يتحدث فيه فتى من صيدا عن مدرسة البنبن التي رفض طيار اسرائيلي قصفها في عام ١٩٨٢ ابان الحرب. المشاهد والرواية مثيرة للشجن ، والتأثيرات الصوتية كانت متقنة ومتناسبة مع أجواء العمل. أعتقد أن الفنان أخرج الفيلم بصورة مبدعة، والبعد الوطني والانساني لقضية لبنان وجيل من الشباب بدا جليا في العمل ككل. وخلال بحثي عبر الصحف الالكترونية وجدت لقاءا مع الفنان أكرم زعتري بعد افتتاح العمل، يقول فيه: “فشلنا في تحقيق العديد من أحلامنا بسبب الصراع والسباق على السلطة والفوقية الثقافية الوطنية وتطرف المواقف الإيديولوجية…ونحن ندرك أنه – في لبنان- لا يمكننا التحكم بمصيرنا ولا يمكننا أن نكتب تاريخنا بأيدينا حتى. “ و خلال بحثي قرأت أن والد الفنان زعتري كان مديرا للمدرسة التي يتحدث عنها الفيلم، مما زاد من قيمة العمل الفنية، وأضاف الى القصة طابع السيرة الذاتية.

    أعتقد أن معرض البينالي منصة فنية مهمة لطرح التساؤلات السياسية والاجتماعية ذات البعد الانساني المشترك. وهذا ما شاهدته في عدد من أجنحة الدول المشاركة، كالأعمال الفنية المعروضة في جناح جنوب أفريقيا والعراق، مع اختلاف الرؤية الفنية لكل جناح.

    ولكن مساحة الحرية يجب أن تعطى كاملة للفنان، دونما تدخل من أي جهة حكومية كانت أو خاصة على الألوان والشكل العام للجناح. لأنك بعد أن تقيد الفنان سينتج شيئا مغايرا عما يراه ويشعر به، ولكن في النهاية على الفنان أن يقدم عملا يتحدث عن شعبه ووطنه بلغة عالمية كي تصل الى أكبر عدد ممكن من الناس.

     وعودة الى العمل الذي قدمه الفنان زعتري لا أمانع من تواجد الفيديو في طرح الاعمال الفنية، ولكن مع الأخذ بعين الاعتبار أجواء المعرض وشريحة زواره، فمدة الفيلم تعتبر طويلة جدا مقارنة مع بقية الأعمال المعروضة في الأجنحة الأخرى. ولقد انتابني شعور بأني أشاهد فيلما وثائقيا أكثر منه عملا فنيا “بيناليا “.صحيح أنه فيلم جدير بالمشاهدة، لتوثيقه مرحلة مهمة من تاريخ لبنان والصراع العربي-الاسرائيلي. ولكنه يعيد طرح مشاهد مأساوية، كثير ما تداولتها البرامج التسجيلية  والنشرات الاخبارية.

     الأجواء السياسة كانت طاغية على الجناح اللبناني بطبيعة الحال. ربما هي مهمة الفنان الذي تمر بلده بصراعات وأزمات أن يسلط الضوء عليها، ولكن برأي  عليه أيضا أن يجد الجوانب الجميلة المنسية في بلاده، ويصنع منها مخرجات فنية تعيد في نفوس الناس الأمل بغد أفضل.

     لا أدري ما رأي الفنان ليوناردو دي كابريو في الفيلم الذي وبحسب صحيفة صيدونيانيوز.نت قد زار الجناح اللبناني في بداية افتتاح البينالي، علما انه قام بدور طيار في فيلمه الشهير the Aviator.  لكن في الحقيقة كنت أود أن أرى عملا لبنانيا أكثر ابداعا وامتاعا، عملا نتوقف عنده قليلا ونتذكره كثيرا، عملا يذكرنا ببيروت والفن اللبناني الجميل.  وأنا أغادر الجناح تذكرت قولا للفنان الفرنسي بيير رينوار ” لماذا لا يكون الفن جميلا؟ فهناك قدر كاف من المشاهد الغير سارة في هذا العالم”. !

  • Pin It