عبدالله السعدي: أماكن للذاكرة.. أماكن للنسيان
30 يناير – 4 مايو
ينظم مَجمع 421 للفنون معرض “عبدالله السعدي: أماكن للذاكرة.. أماكن للنسيان” بإشراف القيّم طارق أبو الفتوح، ويقدّم المعرض الذي يضمّ عشرة أعمال للفنان الإماراتي عبدالله السعدي، تأملاً في مسيرته الفنية التي تمتدّ لعقودٍ عديدة. في توسعة للعرض الأول لأعمال الفنان في الجناح الوطني لدولة الإمارات ضمن الدورة الستين من بينالي البندقية الدولي للفنون في مايو 2024، تم تصميم هذه النسخة خصيصاً لأبوظبي لعرض أعماله الفريدة إلى جمهور الإمارات ومجتمع الفنون المحلي والجمهور الأوسع في الدولة للتعرف عن قرب على مسيرة السعدي الفنية.
عبدالله السعدي هو فنان تحمل ممارسته الفنية ملامح فريدة حيث يقوم بدور الرحالة والمؤرخ ورسّام الخرائط والشاعر، حيث يفكك الرموز ويحتضن الذاكرة ويروي القصص. يضم معرضه الفردي الذي يقام في مَجمع 421 للفنون أعمالاً فنية أنتجها خلال رحلاته في الطبيعة. تحمل ممارسات عبدالله السعدي أصولاً موغلة في القدم، إذ يقترح المعرض على المُشاهد التأمل في تشابه نهج ممارساته الفنية المعاصرة مع العملية الإبداعية للشعراء في شبه الجزيرة العربية منذ آلاف السنين.
في أثناء الرحلة التي تستمر لعدة أيام، يقوم السعدي بالتخييم في البرية، وبشكل تدريجي، يتولد إحساسه بالتوحد مع الطبيعة، وعندها فقط يبدأ في الرسم أو الكتابة على قماش اللوحات أو الأوراق، في تطابق للممارسة الإبداعية الشعراء العرب القدماء حين كانوا يخرجون ويرتحلون وعند الشعور بانغماسهم في الطبيعة يبدأوا في نظم الشعر. يقوم السعدي برحلاته وحده، بمصاحبة كتاب حول موضوع محدد، أو حيوانات أليفة أو وسيلة تنقل. ينعكس التواجد الحميمي لرفقاء السفر هؤلاء بشكل واضح في الأعمال الفنية التي تكتشف الأرض والمكانة التي يحتلها الإنسان فيها.
لا تظهر الطبيعة في أعمال السعدي بهدف التوثيق ولا تتضمن رسوماته ولوحاته التي تشبه الخرائط جميع العناصر المكانية والطبيعية من جبال وصحراء ووديان، حيث يخلق السعدي عالماً متخيلاً خاصاً به تحتضنه تلك الطبيعة، التي لا تخلو من عناصر من الحياة المعاصرة. فهو يختار بشكل واعٍ ودقيق الأماكن التي يحتفظ بها في لوحاته، وتلك التي تذهب طي النسيان، كلُّ ذلك ضمن عملية إبداعية فكرية وجمالية، وحسية وعاطفية في الوقت نفسه.
لا بد أن تقترن أماكن الذاكرة بشكل متوائم بأماكن أخرى للنسيان، فهما ضروريتان لعملية تكوين الذاكرة الفردية والجماعية، ومعاً تشكلان تاريخاً موازياً لذلك المعترف به والموثق رسمياً. وعلى مدار أكثر من أربعين عاماً، ابتكر السعدي من خلال فنّه روايات ذاتية فريدة، وعبر عملية أرشفة دؤوبة، يحتفظ بخرائطه وأحجاره ولُفافاته ورسوماته في صناديق معدنية ذات أشكال وأحجام مختلفة، تشبه صناديق الجدات أو صناديق الكنوز الثمينة في الروايات والأساطير، وكأنه يعمل بلا ملل للمساهمة في بناء ذاكرة جماعية، يحرص على الحفاظ عليها للمستقبل.
يدعو المعرض الزائر للدخول إلى ذلك العالم الاستثنائي الذي ابتكره عبدالله السعدي، والتجول بين معالمه الفريدة والغنية. ففي هذه الرحلة، يسلك الزائر مساراً يشابه الطرق التي يرسمها عبدالله في لوحاته ليكتشف من خلاله الأعمال الفنية المعروضة والقطع الفنية المخفية في الصناديق المعدنية. في أجواء شبيهة بالاستديو الخاص بالسعدي في خورفكان، يقوم الممثلين الذين يتواجدون باستمرار في المعرض بكشف الأعمال الفنية المخفية في الصناديق ويتفاعلون مع الزوار، ويخبرونهم القصص ويقدمون لهم المعلومات عن رحلات الفنان والذاكرة الجماعية التي يستدعيها إلى الحاضر ويحرص على الاحتفاظ بها والحفاظ عليها للمستقبل.
يصاحب المعرض العديد من الأنشطة والأدوات المصممة خصيصاً لجمهور الشباب لتفتح لهم العديد من الأبواب لدخول عالم الفن المعاصر وتتضمن جولات صوتية للبالغين والأطفال، وكتب الشعر المكتوبة بطريقة برايل، والملصقات المصممة لتناسب جميع أفراد العائلة، والمعاجم التي تقدم تفسيرات للمفاهيم والتعبيرات المتعلقة بسياق المعرض.